MyDomuni
DOMUNI UNIVERSITAS

اللاهوت الأنتروبولوجي: : الخلق عند آباء الكنيسة وفي العصور الوسطى والمجامع (BTHAR53)

اللاهوت الأنتروبولوجي: : الخلق عند آباء الكنيسة وفي العصور الوسطى والمجامع (BTHAR53)

سنتطرّق في القسم الثاني من الأنتروبولوجية اللاهوتية إلى مفهوم الخلق عند آباء الكنيسة في الغرب والشرق

رمز المقرر: BTHAR53

أستاذ: Khalil Chalfoun

مقدّمة عامّة

         عالجنا في القسم الأوّل من الدراسة الأنتروبولوجيّة اللّاهوتيّة مفهوم الخلق في الكتاب المقدّس، فكان لا بدّ لنا أن نتطرّق أيضًا، بعد ذلك، في قسمٍ ثانٍ، إلى مفهوم الخلق عند آباء الكنيسة في الغرب والشرق. سنتوقّف مطوّلًا عند آراء أغسطينوس لنرى مدى تفاعلها مع النظريّات الفلسفيّة السائدة آنذاك وحوارها مع مفهوم الخلق الجديد، انطلاقًا من وساطة يسوع المسيح. فكان له بين الآباء المجال الأوسع لدراستنا هذه، ولكي نفهم فيما بعد، في الجزء الثاني، مفهوم الخطيئة الأصليّة عنده والنعمة

وبعدما إلقاء نظرةً سريعةً على الخلق في العصور الوسطى، سننطلق نحو نظرةٍ شاملةٍ للاهوت الخلق في المجامع، إن كانت مسكونيّةً أو إقليميّةً محلّيّة. حاولت الكنيسة في هذه المجامع إبراز ما هو جديدُ مفهوم الخلق في المسيحيّة، والّذي يختلف عن مفهومه في الديانات التوحيديّة وفي الفلسفات والعقائد المختلفة آنذاك

تصادمت الكنيسة الكاثوليكيّة، إبّان النهضة الأوروبيّة، مع العلوم، فكان الطلاق بين العلم والإيمان. وجد هذا الطلاق تعبيره الكامل في المجمع الفاتيكانيّ الأوّل حيث أكّدت الكنيسة أهمّيّة العناية الإلهيّة واستقلاليّة المخلوقات، كما نقضت وحدة المفاهيم المعاصرة النابعة من الاعتقادات بوحدة الوجود والحلوليّة والمادّيّة التاريخيّة والإلحاد

سنعالج، من ثمّ، في الفصل الثالث، الخلق في العالم المعاصر وأهمّيّة التركيز في اللّاهوت الكاثوليكيّ على الخلق من العدم، فالخلق ليس انبعاثًا بل هو فعلٌ إلهيٌّ مجّانيٌّ نابعٌ من محبّته المطلَقة للإنسان. الصراع الّذي كان قائمًا بين العلم والإيمان، حول مفهوم خلق الكون وتطوّر الإنسان، وَجد في الفصل الثالث أبعاده اللّاهوتيّة حيث أكدّنا حرّيّة الخالق وحُسن الخلق واستقلاله

وسنبرهن، في الفصل الرابع، كيف حاول المجمع الفاتيكانيّ الثاني التركيز مجدَّدًا على صورة الله ومثاله وعلى كرامة الإنسان وحرّيّته، انطلاقًا مِن مفهوم الإنسان المخلوق. فكان الحدث الأكبر حيث تلاقى اللّاهوت الكاثوليكيّ مجدَّدًا بالحداثة، وتحاور مع كلّ العلوم الّتي هدفها واحدٌ وهو خير الإنسان واحترام كرامته وحرّيّته. فتوصّلنا مع المجمع الفاتيكانيّ الثاني، أخيرًا لنفهم، أنّ هدف الخلق هو التسبيح والتمجيد والشكران بفعل إيمانٍ مجّانيٍّ يحافظ على كرامة المرأة ومساواتها مع الرجل

 

محتوى المقرّر

الفصل الأوّل: الإيمان بالخلق عند آباء الكنيسة

1- إشكاليّة الخلق بالنسبة للآباء

2- حقبة الدراسة

3- الآباء الرسل: الدهشة أمام الخلق

4- الآباء المدافعون وأزليّة المادّة

5- الصراع ضد الثنائيّة الغنوصيّة: كرامة الجسد البشريّ

6- الحوار مع الفلسفة اليونانيّة: أولويّة النَّفْس

7- يوحنّا فم الذهب 

8- الأنتروبولوجيا أو مفهوم الإنسان عند مار أغسطينوس، أسقف هيبون
9- الآباء السريان

10- ما بعد أفلاطون والآباء

 

الفصل الثاني: الخلق في القرون الوسطى

1- ميشال باليولوغ

2- الخلق عند توما الأكوينيّ

 

الفصل الثالث: لاهوت الخلق في المجامع

1- الإيمان بالخلق في مجمع نيقيا – القسطنطينيّة

2- مجمع نيقيا الأوّل 

3- قانون إبيفانوس، أسقف سالمينا وأنكوراتوس 

4- مجمع القسطنطينيّة الأوّل 

5- مجمع روما 

6- قانون طليطلة 

7- رسالة البابا أناستاسيوس الثاني إلى أساقفة غاليا 

8- مجمع القسطنطينيّة الثاني (543): إبسال أوريجانوس

9- مجمع القسطنطينيّة الثالث 

10- مجمع براغا 

11- المجمع اللّاترانيّ 

12- مجمع القسطنطينيّة الرابع (870): وحدانيّة النَّفس البشريّة

13- المجمع اللّاترانيّ الرابع 

14- رسالة الأمبراطور البيزنطيّ ميخائيل باليولوغس إلى البابا غريغوريوس 

15- مجمع فيينّا 

16- دستور Benedictus Deus

17- مجمع فلورنسا 

18- المجمع اللّاترانيّ الخامس 

19- المجمع الفاتيكانيّ الأوّل 

 

الفصل الرابع : الخلق في العالم المعاصر

القسم الأول: الإيمان بالخلق

القسم الثاني: العلم والإيمان بالخلق

القسم الثالث: الأبعاد اللّاهوتيّة للخلق

القسم الرابع: الإنسان في المجمع الفاتيكانيّ الثاني

القسم الخامس: كرامة المرأة ونظام الحبّ بحسب البابا يوحنّا بولس الثاني

خاتمة

 خلاصة عامّة

تمحورت دراستنا هذه حول مفهوم الخلق والإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. انطلق الخطاب اللّاهوتيّ المسيحيّ حول الخلق وتباين كلّ التباين وجميع الأديان والفلسفات والإيديولوجيّات المحيطة بآباء الكنيسة وجميع القِيَم والمقاييس والمرجعيّات السائدة حول الكنيسة منذ ألفَي سنة. هذا ما دفع، في الشرق والغرب، مع الآباء والمجامع، إلى إنتاج لاهوتٍ مميَّزٍ منذ ألفَي سنة ولا يزال إلى الآن

حاول آباء الكنيسة، في الشرق وفي الغرب، كلٌّ بحسب محيطه الثقافيّ والفلسفيّ والدينيّ، التأكيد على أهمّيّة التمايز بين الله والإنسان والعالم. فالله أحدٌ ثالوثٌ خالقٌ ومختلفٌ بحبّه وخَلْقه وحرّيّته عن الإنسان وعن العالم. خَلَق من العدم لخير الإنسان الّذي أحبّه وأوجده وجَعل منه ذروة خليقته وأعطاه ابنه الوحيد لكي ينقذه، بتجسّده، من هشاشته ومن الهلاك والموت. وإذا كان هذا الإنسان مركَّبٌ من نَفْسٍ وجسدٍ، تساءل الآباء ما هي العلاقة بين نَفْسه وجسده؟ هل تحمل النَّفْس صورة الله وشبهه أم هو الإنسان الّذي يحملهما؟ هل النَّفْس منبثقةٌ من الله؟ هل هي أزليّةٌ وسجينة الجسد؟ أم هي مدعوّةٌ أوجدها الله على صورة الجسد لكي ترفعه إلى مصاف الألوهة وتروحنه؟ ما هو دور الإرادة الحرّة في الإنسان؟ هل لها الخيار؟ هل هي موجَّهةٌ نحو الخير والصلاح أم إنّها مقيَّدةٌ ومكبَّلةٌ بالشرّ والقَدَر؟ تبلورت هذه الأفكار والتساؤلات من خلال الأبحاث اللّاهوتيّة والمجامع والصدامات المختلفة بين الإيمان والعقل، بين الدين والديانات الوثنيّة المختلفة، بين العقائد المسيحيّة والفلسفات الوثنيّة. وتصاعد الصدام خاصّةً بعد عصر النهضة الأوروبيّة فكان الانقطاع والإبسال المختلف والمواقف المضادّة، إلى أن جاء المجمع الفاتيكانيّ الثاني وأقرّ باستقلاليّة الأمور الزمنيّة، وبفصلها عن الإيمان، وبدعوة الإنسان إلى تمجيد الخالق واحترام كرامته. وأكّد مجدَّدًا بأنّ الإنسان مخلوقٌ على صورة الله ومثاله وهو مدعوٌّ إلى تمجيد الله وتقديس العالم وتحويله إلى أحسن