اللاهوت الأنتروبولوجي: الخلق في الكتاب المقدّس (BTHAR32)

سنعالج في القسم الأوّل من الدراسة الأنتروبولوجيّة اللّاهوتيّة مفهوم الخلق في الكتاب المقدّس
رمز المقرر: BTHAR32
أستاذ: Khalil Chalfounالمقدّمة
سنلقي نظرةً شاملةً للخلق في العهد القديم في الفصل الثاني. فالنصوص الّتي عالجناها هي حديثةٌ نسبيًّا، في التاريخ الأدبيّ العائد إلى القرن العاشر ق.م. على الأقلّ. وقد عرف هذا التاريخ مؤلّفاتٍ هامّةً مثل التقليد اليهويّ الّذي يُنسَب إلى عهد سليمان، وكتاب تثنية الاشتراع الّذي يجب أن يكون على علاقةٍ بالإصلاح الّذي قام به المَلِك يوشيّا (قبل نهاية مملكة يهوذا بقليلٍ، سنة ٦٢٢ ق.م.) ومجموعات من الأقوال النبويّة لعاموس وهوشع وأشعيا وإرميا، وأمثال جمعها حكماء بلاط أورشليم بلا شكٍّ أو مجموعات تشريعيّة حيث اختبارات بني إسرائيل، بالإضافة إلى العديد من الصفحات الأكثر حداثةً من أسفار الحكمة
فهناك تواز بين أحاديث الخلق في العهد القديم والخلق بحسب روايتَي الخلق في الفصول الأولى من سِفر التكوين. والنصوص الّتي سندرسها في هذه النظرة الشاملة تقع في وسط توراةٍ يُفترَض أن تكون أقسامها قد نُسّقت، مراعيةً التسلسل الزمنيّ. ويجب أن نتوقّف عن الاعتقاد بأنّ الفصل الأوّل من سِفر التكوين هو أقدم فصول التوراة وأكثرها جزمًا، لأنّه يوجَد في بداية العهد القديم. فموضوع الخلق ليس الأوّل من حيث الزمن ومن حيث الأهمّيّة في التوراة العبريّة، إنّه بعد التحرّر أو الخلاص المتعلّق بسِفر الخروج، فاختبار الشعب اليهوديّ هو اختبار أنّ الله هو المخلِّص وأنّ هذا المخلِّص هو خالق الكون والإنسان. إنّ أولى الاعترافات الإيمانيّة العبريّة لا تهتمّ كثيرًا بأصل العالم، لكنّها تتمحور حول الأحداث الّتي سبقت الخروج ورافقته وتبعته. فبعد الخلاص من العبوديّة اقترن خلق السماوات والأرض في فعل إيمانٍ واحدٍ بأعمال يهوه لصالح بني إسرائيل، فهو مخلِّص وخالق الإنسان
شارك شعب إسرائيل، بدون شكٍّ، الشعوب المجاورة في نظرتهم إلى تكوين العالم ووجود الإنسان، مستعينًا بكلّ الأساطير والروايات المختلفة وقرأها بنظرةٍ إيمانيّةٍ تعترف بأنّ يهوه هو الخالق الوحيد والمخلِّص الوحيد لشعبه
سنعالج في الفصل الثالث مفهوم الخلق بحسب الرواية الثانية في تكوين 2 وتكوين 3، وهي الأقدم بحسب التقليد اليهويّ، والّتي تعود ربّما إلى القرن العاشر ق.م. إنّها تجمع بين تقليدين مختلفين: تقليدٌ أوّل يتكلّم عن خلق الإنسان (تكوين 2: 4ب-18)، وخلق المرأة (تكوين 2: 18-24). وتقليدٌ ثانٍ يؤول حول المعصية الأولى (تكوين 3: 1-4)، والّذي سوف نعالجه في دراسةٍ خاصّةٍ في الخطيئة الأصليّة والشرّ
تصف هذه الرواية الثانية الخلق بطريقةٍ بدائيّةٍ وشعريّةٍ، وتعتبر أنّ الله قد أعطى الإنسان السيادة على الحيوانات كما حدّد له الخير والشرّ، وهو الّذي يعطي الوصايا الّتي توضح ما هو الخير وما هو الشرّ. فخلق الله أوّلًا الرجل وأقامه في الفردوس، ثمّ خلق له المرأة لتكون بإزائه عونًا وشريكة حياته. رسم لنا النصّ لوحةً رائعةً عن أوّل عائلةٍ على الأرض مكوّنةً من آدم، المأخوذ من الأرض، وحوّاء، أمّ الأحياء المأخوذة من ضلع رجلها. استقى كاتب هذا النصّ العناصر التصويريّة من مصادر ثقافات الشرق القديم المتعدّدة (الحضارتان البيبليّة والمصريّة)، وهو يؤكّد أنّ الله هو الإله الوحيد الكائن والخالق منذ الأزل. وعمل لخلق هو عملٌ حرٌّ نابعٌ من محبّة الله وقدرته على العطاء
سنعالج في الفصل الرابع الرواية الأولى للخلق، وهي الأحدث، والّتي تُنسَب إلى الكهنة الّذين دوّنوها بأسلوبٍ شعريٍّ في زمن المنفى وبعد دمار أورشليم وحرق هيكلها. فبدأوا كتابهم بنشيدٍ ليتورجيٍّ اعتبر الكون هيكل الله وجميع الخلائق عبّاد الله. تشتّت الشعب الواحد فكان السبت علامةً خارجيّةً تدلّ على انتمائه. كما أكّد النصّ بأنّ الإنسان كائنٌ مخلوقٌ، رجلٌ وامرأةٌ، على صورة الله ومثاله. فالله محبّةٌ خلّاقةٌ وما يريده أن يشترك الإنسان في هذه المحبّة. كلّ معطيات الثقافات البابليّة جعلها الكاتب الكهنوتيّ في خدمة إيمانه بأحاديّة الله وقدرته على الخلق، كما جعلها في إطار عمله اللّيتورجيّ الكونيّ
أمّا صورة الإنسان فسوف نجد كمالها في يسوع المسيح، في الفصل الخامس، الّذي هو صورة الله الحقيقيّة، صورة الله الّذي لا يُرى، وكلمته وحكمته والّذي بواسطته خلق الله كلّ شيء
محتوى المقرّر
الفصل الأوّل: تاريخ تفسير أسفار موسى الخمسة ونصوص سفر التكوين
1- ريشار سيمون
2- سبينوزا
3- الإعداد البطيء للنهج النقديّ التاريخيّ
4- ويلهوسين
5- الاكتشافات العلميّة
6- لائحة طروحات كنسيّة أو مجموعة الأضاليل الّتي دينت في تصريحاتٍ مختلفةٍ للبابا بيوس التاسع
7- المجمع الفاتيكانيّ الأوّل
8- أزمات ما بعد المجمع الفاتيكانيّ الأوّل
9- الرسالة البابويّة "العناية الإلهيّة" للبابا لاوون الثالث عشر
10- فيجيلنسياي أو الحذر
11- ح. جانكل : ردّ المدرسة المتحرّرة على العقائديّة الكاثوليكيّة
12- السلطة الرومانيّة في النصف الأوّل من القرن العشرين
13- الرسالة العامّة
14- المجمع الفاتيكانيّ الثاني والدستور العقائديّ في "الوحي الإلهي"
15- اللّجنة الكتابيّة (البيبليّة) الحبريّة
16- ماذا قال البابا يوحنّا بولس الثاني عن الخلق؟
17- خلاصة الوضع الحاليّ للأبحاث حول كتب التوراة الخمسة
الفصل الثاني: نظرةٌ شاملةٌ للخلق في العهد القديم
1- الخلق في أسفار الحكمة والأنبياء
2- نظريّة الكون في العهد القديم
3- أقوال الله العشر
4- الكلمة هو نور العالم
الفصل الثالث: الخلق بحسب رواية الخلق الثانية
1- روايتا الخلق بين العلم والدين
2- ماذا كان قَصْد كاتبَي هاتين الروايتين؟
3- الخلق في الكتاب المقدّس
4- البدايات
5- رواية الخلق وصراع الإنسان مع الله
6- البنية القصصيّة
الفصل الرابع: الرواية الأولى للخلق
1- فعل خلق
2- النشيد اللّيتورجيّ
3- في ستّة أيّامٍ
4- الإنسان على صورة الله
5- فعل إيمانٍ بالله
6- إيمانٌ بالله الواحد
7- خلاصة: رؤية الإنسان في العهد القديم – المفهوم العبريّ للإنسان
الفصل الخامس: الخلق في العهد الجديد
1- الخلق في الأناجيل الإزائيّة
2- يوحنا
3- أعمال الرسل
4- رسائل مار بولس
5- نشيد كولوسّي
6- الرسالة إلى العبرانيين
7- في كتب العهد الجديد الأخيرة
خلاصة
خلاصة عامّة
أن يكون الله قد خلق الإنسان على صورته كمثاله، هذه حقيقةٌ إيمانيّةٌ تضفي معنًى خاصًّا على سائر حقائق الإيمان، فمعرفة الله مبنيّةٌ على هذا الإيمان
الخلق هو فعل حبٍّ أبويٍّ، يعطي الله الوجود لغيره لكي يشركه بمحبّته وسعادته والإنسان المخلوق هو سيّد الكون، كائنٌ عاقلٌ وحرٌّ مِثل الله قادرٌ على التجاوب مع هذا الحبّ وعلى تحويله
والخلق هو تنازلٌ عظيمٌ من قِبَل إلهٍ ينمّ عن حبّه لخلقه ويرعاهم بعنايته وحبّه الفائق. قاده في ملء الزمن إلى التجسّد مع يسوع المسيح، وتجلّى الله في حقيقته بأنّه آبٌ محبٌّ، له ابنٌ محبوب الصائر إنسانًا ووسيط الخالق الأوحد، وهو روحٌ خلّاقٌ يرفرف على وجه المياه
إنّ روايتي الخلق في سِفر التكوين (1-2) تدلّان، بوضوحٍ، على أنّ هدف الله من خلق الكون هو سعادة الإنسان. والإنسان، بدوره، هو وسيطٌ بين الله والكون وهو حضور الله في الكون. يلبّي الإنسان هذه الدعوة عندما يرتفع بالكون إلى الله ويؤمن بحضوره في الكون فيمجّده ويسبّحه ويشكره على كلّ ما فعل له
لكنّ الإنسان ليس سيّدًا مطلَقًا على الكون، إنّه جزءٌ لا يتجزّأ من هذا الكون ويتميّز عنه بكونه عاقلًا وحرًّا، على صورة الله، السيّد المطلَق الوحيد للكون. في تجسّد الكلمة أصبح الله ذاته على صورة الإنسان حتّى ينتشله من معصيته وسيطرة الخطيئة عليه. وكشف الله عن هويّته الحقيقيّة؛ إنّه آبٌ خلّاقٌ ضابط الكلّ، وابنلإ وحيدٌ الّذي به كان كلّ شيءٍ، فهو حكمة الله وكلمته وبغيره ما كان شيءٌ ممّا كان، وفيه كانت الحياة وحياته كانت نور الناس (يوحنّا 1: 3-4). وبه وهبنا الله النعمة والحقّ. فكما أنّ الآب هو في ذاته مصدر الحياة، كذلك أعطى الابن أن يكون في ذاته مصدر الحياة وأعطاه أن يدين أيضًا لأنّه ابن الإنسان (يوحنّا 5: 27).