MyDomuni
DOMUNI UNIVERSITAS

الكتب الحكمية (BTHAR04)

الكتب الحكمية (BTHAR04)

مقرر "الكتب الحكمية" هو دراسة تحليلية ولاهوتية لأسفار الحكمة في العهد القديم، مثل سفر أيوب، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد، حكمة سليمان، وسيراخ. يهدف المقرر إلى فهم مفهوم الحكمة في السياق الكتابي والثقافي والديني للشرق الأدنى القديم، واكتشاف كيف عالجت هذه الأسفار الأسئلة الكبرى حول الحياة، الألم، العدالة، والخير والشر

رمز المقرر: BTHAR04

أستاذ: Sr Nazek Khalid Matty

مقدّمة

تُشكّل "الكتب الحكمية" قسمًا فريدًا ومميزًا من أسفار العهد القديم، حيث تبتعد هذه النصوص عن الطابع التاريخي أو النبوي المباشر، لتدخل بنا إلى أعماق التأمل في الحياة الإنسانية من خلال منظار الحكمة. وتُستخدم عبارة "الحكمة" هنا ليس فقط بمعناها الأخلاقي أو الفلسفي، بل بمعناها الكتابي العميق، حيث ترتبط بالبحث عن مشيئة الله في تفاصيل الحياة اليومية، وسط تناقضات الوجود وتجارب الألم والمعاناة

الحكمة في الكتاب المقدس ليست مجرد معرفة نظرية أو تعليم أخلاقي، بل هي موقف داخلي ينعكس في سلوك الإنسان واختياراته، وهي دعوة إلى عيش الحياة بانسجام مع الله والآخرين. هذه الحكمة تتجلى في الأسفار الحكمية من خلال قضايا وجودية كبرى: لماذا يتألم البريء؟ ما معنى الحياة؟ ما هو الخير والشر؟ هل الله عادل؟ كيف نتعامل مع الشك، الموت، والظلم؟ إنها أسئلة لا تُطرح نظريًا، بل تُعاش في صميم التجربة البشرية

تُظهر لنا هذه الكتب كيف واجه شعب الله، من خلال أصوات الحكماء والشعراء، الأزمات الفردية والجماعية بالإيمان والصلاة والتأمل. وفي الوقت نفسه، تعكس هذه النصوص تفاعلاً حيًا مع تيارات فكرية وأدبية أوسع، من تراث مصر وبلاد ما بين النهرين إلى التأثيرات اليونانية في مرحلة لاحقة، مما يدل على حيوية الفكر الديني في إسرائيل القديمة وانفتاحه على الأسئلة العالمية

يتناول هذا المقرر بالتحليل والدراسة مجموعة الكتب التالية: أيوب، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد، يشوع بن سيراخ (سيراخ)، وحكمة سليمان. وتتنوع هذه الكتب في أساليبها الأدبية بين الشعر والحوار والمثل والمرثاة، ما يعكس ثراءها الداخلي وتعدديتها اللاهوتية. من خلال هذه الأسفار، يلتقي الطالب بمجموعة من النصوص التي تُعطي بعدًا روحيًا وإنسانيًا عميقًا لتجربة الإيمان، وتفتح أبواب الحوار بين الإيمان والعقل، بين الخبرة الشخصية والمعنى الكوني

إن دراسة "الكتب الحكمية" لا تُغني فقط الفهم اللاهوتي للعهد القديم، بل تُغذي أيضًا البعد الروحي والتربوي في حياة المؤمن، لأنها تعلّمه كيف يسلك بالحكمة، أي "الخوف من الرب" كما ورد مرارًا في النصوص، أي أن يضع الله في قلب قراراته، ويعيش في نور الحق والرحمة والعدالة

محتوى المقرّر

1- مقدمة حول مفهوم الحكمة
2- جذور الحكمة في إسرائيل والشرق الأدنى
3- الكتب الحكمية في العهد القديم

أيوب
المزامير
الأمثال
الجامعة
نشيد الأناشيد
حكمة سليمان
يشوع بن سيراخ (سيراخ)

4- الأساليب الأدبية في الكتب الحكمية
5- المفاهيم اللاهوتية والإنسانية (الألم، العدالة، الخير، الله والإنسان)
6- مقارنة بين الحكمة الكتابية والحكمة في الحضارات القديمة (مصر، بابل، اليونان)
7- أثر الكتب الحكمية في الفكر المسيحي والليتورجيا


الخاتمة

تُشكّل الكتب الحكمية في العهد القديم جسرًا فريدًا بين التجربة الإنسانية والبحث عن الله، إذ إنها لا تكتفي بنقل وصايا أو تسجيل أحداث تاريخية، بل تنقل عمق التساؤلات التي تُقلق الإنسان في كل زمان: معنى الحياة، العدالة الإلهية، ألم الأبرياء، مصير الأشرار، فرح المحبة، رجاء الخلاص، ونداء الحكمة

لقد سمحت لنا دراسة هذه الكتب بالتعرّف على تقاليد أدبية وروحية غنية تعكس التنوع في طريقة اختبار الله داخل الجماعة الإيمانية وفي حياة الأفراد. من تساؤلات أيوب الموجعة إلى تراتيل المزامير العابقة بالصلاة والتسبيح، ومن الأمثال اليومية إلى تأملات الجامعة في فراغ هذا العالم، ومن نشيد الأناشيد كقصيدة حب رمزية إلى حكمة سيراخ وسليمان كتعبير عن نضوج الإيمان في وجه تيارات الفكر الهلنستي — تكشف لنا هذه النصوص وجهًا حيًّا لله، هو الحكيم، القريب، الذي يُنير طريق الإنسان في ظلمة العالم

تدعونا هذه الكتب إلى فهم الحكمة لا كعلم نظري، بل كأسلوب حياة يقوم على الإصغاء، التمييز، التواضع، والثقة. إنها دعوة لأن نكون بشرًا أعمق، نواجه تساؤلاتنا وشكوكنا لا بالهرب، بل بالصلاة والانفتاح على صوت الله. الحكمة هنا ليست "حلًّا سريعًا" لمشاكل الوجود، بل رفقة مع الله في طريق الحياة، حيث يصير كل شيء معناه في النور الإلهي

وفي الختام، فإن "الكتب الحكمية" تبقى شاهدة على النضج الروحي والفكري لشعب الله، ودعوة متجددة للمؤمنين في كل زمان كي يسيروا طريق الحكمة — تلك التي تبدأ بمخافة الرب وتكتمل بالثقة في محبته وعدله