MyDomuni
DOMUNI UNIVERSITAS

الأخبار

المدرسة الصيفية الدولية – تور 2026

المدرسة الصيفية الدولية – تور 2026

12 سبتمبر 2025

ستنعقد المدرسة الصيفية الدولية في مدينة تور في الفترة من 4 إلى 11 يوليو 2026، وستكون موضوعها: «التراث والنهضات: المسيحية بين التاريخ والإبداع».

تهدف هذه الأسبوعية من الدراسة واللقاء إلى استكشاف كيفية إسهام المسيحية في تشكيل الثقافة الأوروبية بمختلف تعبيراتها – من العمارة إلى الفنون، ومن الموسيقى إلى الأدب – كما تسعى إلى مساءلة الكيفية التي يستمر بها هذا التراث في إلهام أشكال جديدة في الحاضر. وتبقى مدينة تور، مدينة القديس مارتن، مركزاً روحياً رئيسياً ومكاناً رمزياً للحوار بين الذاكرة والمستقبل، بين التراث والإبداع.

تاريخ طويل

ينغرس اختيار هذا الموضوع في تاريخ طويل، مفعم بالجدالات والصراعات، ولكن أيضاً بالوفاء وبالنهضات. فمنذ القرون الأولى، اضطرت المسيحيةإلى توضيح إيمانها عبر الأزمات التي مرّت بها. وقد شكّل مجمع نيقية عام 325 محطة حاسمة حين أكد أن المسيح «مساوٍ للآب في الجوهر». إلا أنّ هذا التقرير لم يُستقبل دون مقاومة، واحتاج الأمر إلى عقود لكي يترسّخ فعلياً.

في الغرب اللاتيني، كان أحد أبرز المدافعين عن هذا الإيمان هيلاريوس أسقف بواتييه، أحد كبار آباء الكنيسة. فقد نُفي بسبب أمانته، وبذل جهوده للدفاع عن إيمان نيقية ضد الأريوسية، خاصةً في كتابه عن الثالوث. وقد عُدّ في بلاد الغال حامياً لهذه الحقيقة الإيمانية، حتى لُقّب بـ«أثناسيوس الغرب». إن العقيدة لم تُبنَ دفعة واحدة، بل من خلال تاريخ، ونضج، وحوار، أحياناً متوتر، مكّن الإيمان المسيحي من أن يتبلور ويترسّخ.

وترتبط سيرة القديس هيلاريوس ارتباطاً وثيقاً بتلميذه مارتن، أسقف تور فيما بعد، الذي تركت شخصيته المضيئة أثراً عميقاً في الذاكرة المسيحية. لم يكن مارتن لاهوتياً بالمعنى الدقيق، لكنه جسّد في حياته روح الإنجيل. فقد جعلته مبادرته بمشاركة عباءته مع الفقير، وخدمته الرعوية، وإشعاعه الروحي، شخصية عالمية تخطّى تأثيرها حدود تور. إن هيلاريوس ومارتن يمثلان وجهين متكاملين من المسيحية: الدقة العقائدية التي تبحث عن الحقيقة وتبني العقيدة، والمحبة العملية التي تشهد للإنجيل بالفعل.

عندما يصبح التراث إبداعاً

ستقترح المدرسة الصيفية في تور التفكير في هذه الديناميّة المزدوجة: تراث يتكوّن عبر التاريخ، وإبداع يتجدد باستمرار. لم يُنقل الإيمان المسيحي كذاكرة جامدة، بل ألهم على مدى القرون أعمالاً لا تُحصى لا تزال تُخاطبنا حتى اليوم. فقد جسّدت الكاتدرائيات القوطية في الحجر والضوء لاهوت التجسد. كما أضفت الرسوم في العصور الوسطى والمنحوتات الباروكية حياةً على الروايات الكتابية وفتحت طرقاً للتأمل. وعبّرت الموسيقى، من التراتيل الغريغورية إلى أعظم الأعمال المقدسة، عن بحثٍ عن الجمال لا ينفصل عن الإيمان. أما الأدب، من القديس أوغسطين إلى الكُتّاب المعاصرين، فقد شهد على قوة الرجاء وعمق التجربة الروحية.

وفاء وآفاق مستقبلية

لم يتوقف الفن المسيحي عبر القرون عن ابتكار أشكال جديدة، مما يُظهر أن التراث حيّ ويتغذى من نهضات متواصلة. وحتى اليوم، يواصل هذا الإرث إلهام الأجيال، تارةً في وفاء للتقليد، وتارةً أخرى في حوار نقدي أو إبداعي معه. ولن تقتصر المدرسة الصيفية على نظرة استرجاعية، بل ستسعى إلى فهم كيف يمكن لهذا التراث أن يضيء ثقافاتنا المعاصرة ويفتح آفاقاً جديدة للمستقبل.

وتُعد مدينة تور موقعاً مثالياً لمثل هذه التأملات. فهي مدينة تاريخية وتراثية، وكانت أحد المراكز الكبرى للمسيحية الغربية. وقد اجتذب ضريح القديس مارتن عبر قرون طويلة حشوداً من الحجاج من مختلف أنحاء أوروبا. أما المعالم والأعمال والتقاليد التي ما زالت قائمة، فهي تحكي هذه الذاكرة. غير أن التحدي يكمن في تجاوز القيمة التراثية وحدها، إلى مساءلة ما يمكن أن يعنيه هذا الإرث وما يمكن أن ينتجه اليوم، في عالم يبحث عن معنى ورجاء.

انغماس أكاديمي دولي

ستقدّم المدرسة الصيفية في تور تجربة دولية، متعددة اللغات وجماعية. وستوفّر الدروس والمحاضرات مفاتيح لفهم تاريخ وفكر وفن المسيحية. كما ستدعو الورشات المشاركين إلى مواجهة خبراتهم وتساؤلاتهم الشخصية. وستتيح الزيارات الثقافية اكتشاف التراث في تور ومنطقتها مباشرةً. وستمنح اللقاءات غير الرسمية لهذه التجربة الصيفية بعداً إنسانياً وأخوياً.

على ضفاف اللوار، النهر العظيم للتقليد

إن موعد يوليو 2026 هو دعوة للتفكير المشترك فيما يبقى في التراث المسيحي من مصدر حياة وإبداع. فالتراث والنهضات ليسا متعارضين، بل يتجاوبان. لقد استطاعت المسيحية، عبر القرون، أن تعبر أزمات، وتوضح إيمانها، وتبتكر أشكالاً جديدة. فمن نيقية إلى بواتييه، ومن القديس هيلاريوس إلى القديس مارتن، ومن البازيليكات الرومانية إلى النوافذ الزجاجية المعاصرة، يجري نفس نهر اللوار: النهر العظيم للتقليد الذي يعبر التاريخ المسيحي كما يعبر مدينة تور، حاملاً إيماناً يُبنى ويُورّث ويتجدد بلا انقطاع.

ستُعقد المدرسة الصيفية الدولية في تور باللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، على ضفاف النهر، في لا غران بريتيش (دير الراهبات الدومينيكيات في تور)، بالقرب المباشر من المركز التاريخي للمدينة.